الوقت- بعد فترة من القطيعة شبه التامة بين إيران والسعودية، وهو ما سرى على بعض دول مجلس التعاون، جاءت المبادرة الكويتيّة التي حملها وزير الخارجية الشيخ صباح الخالد إلى إيران بغية إذابة الجليد بين البلدين.
الخطوة الجديدة والجريئة للكويت التي نجحت في إيجاد علاقات وطيدة مع الجار الإيراني على مدار عقود مضت، كما هو حال سلطنة عمان، لاقت ردود فعل مرحبة حيث أكد سفير إيران لدي الكويت علي رضا عنايتي على أهمية خلق الأجواء الودية في العلاقات بين طهران ومجلس التعاون، في حين تحدّثت بعض المصادر عن قرار إيران بإعطاء الوساطة الكويتية فرصة، إلاّ أنّه لم يصدر أي موقف رسمي يؤكد ذلك.
لا نستبعد ردّ طهران الإيجابي على المبادرة الكويتية، إذ تؤكد طهران دائما على ضرورة إقامة علاقات طيّبة مع كافّة جيرانها، وهذا ما لمسناه من موقف إيران في منتصف العام 2015 عندما رحّبت بموقف الكويت حول إيجاد حوار إقليمي، ولا يمكن فصل الرسالة الكويتية عن سياق التطورات الإقليمية والدوليّة، والمواجهة القائمة بين إيران والسعودية بدءاً من سوريا والعراق مروراً باليمن والبحرين ووصولاً إلى باكستان وأفغانستان ومنظمة أوبك.
اليوم، ورغم شحّ المعلومات حول النتائج الرسميّة التي توصلت إليها المباحثات الكويتية الإيرانية في طهران، إلا أنّ الجو العام يشير إلى "تفاؤل حذر" حيال إذابة الجليد الذي يكسوا العلاقات بين طهران والریاض، لا طهران ودول مجلس التعاون، باعتبار أن القرار البحريني والإماراتي، والقطري بدرجة أقل، رهن للقرار السعودي.
ورغم وجود العديد من الملفات الشائكة بين الطرفين تحتاج إلى جهود ضخمة لمعالجتها، وفي مقدّمتها الملفات الثلاث السورية واليمنية والبحرينية، إلا أن ضرورات المرحلة تفرض على الطرفين التعامل بإيجابيّة مع المبادرة الكويتية التي قد تشكّل منعطفاً جديداً ومهماً يمكن البناء عليه في الفترة المقبلة، وتفضي إلى فتح قنوات مباشرة للحوار بين السعوديّة وإيران.
ضرورات الاستجابة
وأما عن ضرورات الاستجابة، وما أكثرها، لا ريب أن إذابة الجليد بين البلدين، لا يصب في صالح طهران والرياض فحسب، بل سينعكس على العديد من دول المنطقة، وهنا لا بد من الإشارة إلى التالي:
أوّلاً: إن الظروف والمتغيّرات الدوليّة، بدءاً من وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وليس انتهاءً بصعود اليمين المتطرّف في أوروبا، تشكّل تحدّيات مشتركة للطرفين على حدّ سواء. الحركات الجديدة في الغرب التي لا تخلو في ظاهرها من العدائية للإسلام تستدعي من الجانبين فتح خط ساخن لمواجهة التحدّيات المشتركة. العلاقات المتوتّرة لا تصب في صالح أيّ من الطرفين، وترخي بظلالها على كافّة العالم الإسلامي، سلباً كانت أم إيجاباً.
ثانياً: إن التقارب الإيراني السعودي كفيل بإنهاء العديد من الأزمات الإقليمية عبر الحلول السياسيّة التي تحول دون هدر المزيد من الدماء. في الحقيقة، السعودية التي تدعم الجماعات المسلّحة في سوريا مصرّةً على الحل العسكري، وتشنّ عدواناً عسكرياً على اليمن منذ سنتين، فضلاً عن دعمها للنظام البحريني الذي يقمع التحرّك السلمي في البلاد، قد تتخلّى عن هذه الخيارات، خاصّة إذا ما تمّ تقديم ضمانات من قبل الجانبين، كل طرف للآخر.
ثالثاً: إن المشكلة الكبرى التي تواجه دول المنطقة، وتوازي في خطورتها الإرهاب الداعشي، هي التدخلات الخارجية ( دول ما وراء البحر والمحيط)، وبالتالي يعد التقارب الإيراني السعودي مفتاحاً لمفهوم الأمن الذاتي الذي تطالب به طهران منذ زمن. لكن الخطوات الأخيرة المتمثّلة بإنشاء قاعدة للناتو في الكويت، وكذلك المناورات البريطانية الفرنسية الأمريكية في الخليج الفارسي لمحاكاة سيناريو لهجوم إيراني مفترض تؤكد عكس ذلك، أي أن السعودية تسعى للاستقواء بالغرب على إيران، غافلةً عن كون هذه المناورات تهدف، أوّلاً وآخراً، لعسكرة المنطقة أكثر، وبالتالي إبرام هذه الدول للمزيد من الصفقات العسكرية التي تدرّ على خزائنها المليارات.
رابعاً: يحقق هذا التقارب جملةً من المكاسب لكلا الطرفين، ففي حين يعطي للسعودية دوراً أكبر في الإقليم في ظل التنافس القائم مع تركيا التي تريد زعامة العالم الإسلامي السني، يحدّ هذا التقارب من سياسة "ايران فوبيا" التي تستخدمها واشنطن وبعض الدول الغربية ضدّ إيران، ليس آخرها ما قالته رئيسة الوزراء البريطانيّة تيريزا ماي، وتروّج لها العديد من دول المنطقة، وفي مقدّمتها السعوديّة.
خامساً: يحقّق هذا التقارب فرصة مناسبة للسعودية لإنهاء عدوانها على اليمن عبر مخرج دبلوماسي يحفظ ماء وجهها السياسي، كما تم التأسيس له في سوريا عبر مؤتمر الأستانة، في المقابل يخفّف من التهديدات الأمنية لإيران في حدودها الشرقيّة مع أفغانسان وباكستان حيث تخطط السعودية للعبث بالأمن الإيراني عبر الجماعات التكفيرية.
رغم كل ما ذكرناه، والاهتمام الذي حظيت به زيارة وزير الخارجية الكويتي والذي يعكس نيّة طهران الاستجابة لهذه الوساطة ولغة الحوار بخلاف الاتهامات السعوديّة، لا نعوّل كثيراً، وإن أبدينا بعضاً من التفاؤل لأن ما نشاهده على أرض الواقع مختلف تماماً. نعم، التفاؤل الزائد ضرّه أكثر من نفعه، والوساطة لا تعني المصالحة في كافّة الملفات، لذلك ما ندعوا إليه اليوم هو إدارة الخلافات وعدم السماح لدول من وراء المحيط في إيجاد الشرخ بين هذين البلدين. إيران أثبتت دبلوماسيّتها النوعيّة خلال اتفاقها النووي مع أوروبا و"الشيطان الأكبر"، فكيف إذا كان الطرف المقابل هو جار مسلم؟ ولكن ماذا عن السعوديّة؟!